الإبتسامة القديمة
لم أجد عملاً , يناسب مؤهلي ، فلم أجلس رهين البيت ، فلدي أحلام تؤرقني ، كلما أنجز شيئاً أرنو لما بعده ، وأحس بأن طموحي هو طوق نجاتي ، لا بد أن أتعب وأنا في غمرة شبابي حتى أستريح بعد ذلك ، وإن كنت أظن أن أمثالي لا يريحهم إلا التعب والاجتهاد ، فأنا لا أستطيع الاقتناع بالقليل ، والكثير بعيد لا أستطيع الحصول عليه إلا بوفرة المكابدة ، وقد يتحقق أو لا يتحقق ، فربما يكون الحظ بطل حياتي ، وربما يكون غير ما أود ، لكنني لا أستطيع أن أغيرني ، أو أن أغير أحلامي رغم ما يسبب لي تدفقها الذي يحتل تفكيري من أحزان عندما أجد الواقع يحاربها ، أو عندما تتعثر في طرقات الزمن .
عملتُ مندوب مبيعات ، وكان هذا أول عمل أخوضه بعد تخرجي رغم ما في هذه المهنة من صعوبات وإجهاد ، لم أتعود عليها إلا بعد فترة ، حينها أدركتُ أن الحياة ليست بالبساطة والسهولة التي ترسمها أحلام اليقظة التي طالما غرقت فيها
في كل يوم أحمل شنطتي ، وبها ما قد أبيعه من بضاعة ، أجوب شوارع القاهرة ، أشاهد السيارات الفارهة ومظاهر البذخ في الأكل والملبس ، أحس بشيء من المرارة ، وأحس أن الأغنياء من طينة أخرى غير طينتنا معشر الفقراء .
أسائل أحلامي
هل سأكون في يوم مثل هؤلاء البشر ؟! هل سأصبح غنياً ؟؟ هل سيكون عندي سيارة وشركات وموظفين وأطيان ؟ آه مني آه .
لا أملك إلا أن أبتسم من نفسي وما تأخذني إليه من خيالات .
في شوارع القاهرة التي تعودت أن أبيع فيها ، كانت هناك فيلا يبدو أنها مهجورة ، أو أن من بها قد سافروا ، وكان لهذه الفيلا حديقة رائعة ، يوجد بها أشجار المانجو بارتفاعات كبيرة ، تجعل فروعها تطل في الشارع ، وعند مروري بجوار سور الفيلا ، وقعت ثمرة من ثمرات المانجو فوق رأسي ، أمسكت بها كانت تامة النضج، لم أتناولها ، تذكرت أنها ليست ملكي ، ولا تحل لي ، قذفت بها إلي داخل الحديقة ، ومضيت .
وبعد عشرين عاماً كنت أنا داخل الفيلا ، وفي إحدي الشرفات كنت واقفاً مع زوجتي ، فرأيت شاباً يمشي بجوار السور ، فوقعت على رأسه ثمرة من ثمرات المانجو ، أمسك بها ، كانت تامة النضج , لم يتناولها ، قذف بها إلى داخل الحديقة ، فهب كلبي من نومه يصيح , فابتسمتُ ابتسامة قديمة .
بقلم : ياسر